Follow @twitterapi
الردُّ الثاني عشر للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

الموضوع : الردُّ الثاني عشر للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

القسم : مناظرة الشيخ سعد الحميد والإباضي الظافر |   الزوار  : 4223

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وبعـد :

فقبل البـدء بالنقد المفصّل لبعض أحاديث "مسند الربيع"؛ أذكِّر ببعض الأمور التي يحسن التذكير بها إضافة لما سبق ، فأقول :

لابد من النظر في سلسلة الكتاب وما تضمنه من أحاديث من ثلاث جهات :

أ - سند الكتاب من الناسخ إلى مُرَتِّـبِهِ الوارجلاني ، وهذا يتم بالطريقة التي أشرت إليها في مقالي السابق ، والتي تمثل إحدى مراحل توثيق النسخة المعتمدة ، وهذا ما نطالب به الإباضية المعاصرين . وما يقال عن وجود نسخة خطية في المكتبة الفلانية نسخت في سنة كذا لا يكفي ، فدون إثبات ذلك خرط القتاد ، والدعاوى ما لم تقم عليها البينات أصحابها أدعياء ، ولست متعسِّفًا في كلامي هذا ، فهذا العصر يشهد دراسات ، ومراكز بحوث ، وجهات مختصَّة لمعرفة عمر الورق المستخدم ، والحبر المكتوب به ، ونوعية الخط ؛ إلى أي عصر تنتمي ، فإذا أزعج كلامي هذا الظافر ومن معه ، وكانوا طالبي حق ، فليسألوا المختصين ، أحقًّا ما أقول أم لا ؟

ب - سند الكتاب من مرتبه الوارجلاني إلى مؤلفه الربيع بن حبيب ، وهذا الذي يعترف الإباضية بعدم وجوده ، ومع ذلك يدّعون هذه الدعوى العريضة :" أصح الكتب بعد كتاب الله " ! مع أن بين الوارجلاني والربيع بن حبيب أربعة قرون ، فسيكون بينهما قريب من سبعة رجال ، بل أكثر ، فمن هم ؟ وما حالهم ؟

فإذا كان الحديث المرسل مردودًا عند جمهور المحدِّثين ، مع أن الساقط منه في كثير من الأحيان صحابي - والصحابة كلهم عدول -، ولكن لاحتمال أن يكون التابعي أخذ عن تابعي آخر - أو أكثر -، عن صحابي ؛ لذلك ردّه المحدِّثون ، علمًا بأن المجروحين من التابعين قليل ، فكيف بهذه المفاوز التي تنقطع فيها أعناق الْمَطِيّ ؟

إن قبول هذا السقط في طبقات إسناد الكتاب يعني إلغاء أهمية الإسناد ، فبإمكان من هبّ ودبّ أن يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينكر عليه إذًا .

جـ - سند الكتاب من مؤلِّفه الربيع بن حبيب ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الصحابي .

وهذه في الغالب تتكون من الربيع ، عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، عن جابر بن زيد ، عن الصحابي .

أما جابر بن زيد ، فإمام بلا منازعة .

وأما الربيع وشيخه فسبق الكلام عنهما .

وربما روى الربيع بأسانيد غير هذا ، وسيأتي الكلام عن بعضها .

وربما روى بأسانيد فيها انقطاع أو إعضال ، أو هي بلاغات بلا إسناد ، وهذا الذي قال عنه عبدالله بن حميد السالمي في مقدمته للكتاب - وسبق نقله -:« وأما المنقطع بإرسالٍ أو بلاغ ، فإنه في حكم الصحيح لِتَثَبُّتِ راويه ، ولأنه قد ثبت وصله من طرق أُخر لها حكم الصحة ».

فهذا يدلُّك على قيمة الإسناد عند الإباضية !

وأما دعوى السالمي أنها ثبت وصلها من طرق أخر فسيأتي كشفها .

فهذه الجهات الثلاث ، مع ما سبق من كلام عن الربيع وشيخه والوارجلاني ، وعن "المسند" وجهالته عبر هذا التاريخ الطويل ، جميعها كافية في معرفة أنه وضع في أعصار متأخرة .

فكيف إذا أضيف لذلك كله ما سيأتي من كشف لطبيعة أحاديثه التي يشهد القلب بوضعها ؟

وقبل البـدء بالكلام عن هذه الأحاديث أودّ التنبيه على أن الظافر اتهمني في ردّه الأخير بجهلي بـ"مسند الربيع" لأني استشهدت ببعض الأحاديث من الجزء الثالث ، وهو من زيادات الوارجلاني ، وقال : إن حكم هذا كحكم معلقات البخاري .

وإذا ما نظرنا إلى الكتاب نجد أنه تضمن جملة من الأحاديث والآثار عددها خمسة أحاديث وألف حديث ( 1005 )، وهي مقسمة على أجزاء الكتاب الأربعة هكذا :

فالجزء الأول والثاني هما "مسند الربيع" على حد زعمهم ، وتضمن هذان الجزءان اثنين وأربعين وسبعمائة حديث وأثر (742).

الجزء الثالث وقد تضمن ثمانية وخمسين ومائة حديث وأثر من (743 - 901 )، وهو الذي يرى الظافر أن نقده لا يلزمهم ، ويُشَـبِّه الكلام عنه بالكلام عن معلقات البخاري .

والحكَم بيني وبينه كلام إمامهم عبدالله بن حميد السالمي العماني المتوفى سنة 1332هـ، حيث يقول في مقدمة هذا "المسند"(ص 3) ما نصه :« اعلم أن مرتب الكتاب وهو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن مياد الوارجلاني قد ضم إلى المسند آثارًا احتج بها الربيع على مخالفيه في مسائل الاعتقاد وغيرها ، وهي أحاديث صحاح يعترف الخصم بصحتها ، وجعلها المرتب في الجزء الثالث من الكتاب)).

-  فهو يرى أن الربيع احتج بأحاديث هذا الجزء على مخالفيه في مسائل الاعتقاد .

أسمعت أيها الظافر : في مسائل الاعتقاد !

-  ويرى أنها صحيحة .

-  ويرى أن الخصم يعترف بصحتها .

فأجبني - عافانا الله وإياك من الهوى -: أَتُنقد هذه الأحاديث أم لا ؟

ثم هاهنا فائدة استفدناها من شيخكم السالمي ؛ وهي : أن للربيع صولة وجولة مع مخالفيه ! أليس في هذا دلالة على أنه يجب أن يُعرف الربيع ويُذكر ؟ فلماذا لم يذكره المخالفون ، وعلى رأسهم أهل السنة طبعًا ؟!

وأما الجزء الرابع ، فهو الذي يقول عنه السالمي :« ثم إنه - أي الوارجلاني - ضم إلى ذلك روايات محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة القرشي ، عن الربيع ، وروايات الإمام أفلح بن عبدالوهاب بن عبدالرحمن الرستمي ، عن أبي غانم بشر بن غانم الخراساني ، ومراسيل جابر بن زيد ، وجعل الجميع في الجزء الرابع من الكتاب . فكانت أجزاء الكتاب أربعة : الأولان في أحكام الشريعة من أولها إلى آخرها بالسند العالي)).

فهذا الجزء الرابع نأمل أن يجيبنا فيه الظافر على السؤال الآتي :

ما حكم أحاديث هذا الجزء عندكم ؟ وحبذا لو كان الجواب مؤيّدًا بكلام بعض أئمتكم الذين شرحوا "المسند" أو غيرهم من أئمتكم .

وبعد التأمل في أحاديث هذا "المسند"، وجدتها يمكن أن تُصنَّف هكذا :

1-  فقسم مروي في كتب السنة بأسانيد غير هذا الإسناد ؛ كالحديث رقم (29) الذي يرويه الربيع عن أبي عبيدة ، عن جابر بن زيد قال : أدركت ناسًا من الصحابة أكثر فتياهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : قال النبي صلى الله عليه وســلم : (( لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه أو يتوضأ)).

وهذا القسم لن أتكلم عنه ؛ لأن في الكلام عن باقي الأقسام غنية عنه ، وهي أوضح في النقد ، وليس هدفي نقد جميع أحاديث الكتاب .

2-  أحاديث ليس لها أصل البتّة ، وإنما وضعها واختلقها من افترى هذا الكتاب ، والله حسيبه ، والموعد عند تطاير الصحف .

وكثير من هذه الأحاديث في نصرة معتقد الإباضية ، وبعضها في نصرة بعض آرائهم الفقهية ، وسيأتي الكلام مفصلاً عن هذا القسم والأقسام بعده .

3-  أحاديث منكرة باطلة أعلّها أهل العلم وبيّنوا أن ليس لها أصل صحيح ، وتوجد عندهم بأسانيد يدعون فيها أعلى درجات الصحة .

4-  أحاديث مروية في كتب السنة بأسانيد ضعيفة ، وبعضها حاجة أهل العلم لها ماسّة، وتوجد عندهم بأسانيد يدّعون فيها أعلى درجات الصحة .

5-  أحاديث مروية في كتب السنة بأسانيد صحيحة من طريق واحد غريب لا تعرف إلا منه ، ثم نجدها عندهم من طريق آخر يدّعون فيه أعلى درجات الصحّة .

6-  أحاديث لا توجد في كتب السنة إلا بأسانيد مختلف فيها بين أهل العلم ، وتوجد عندهم بأسانيد يدّعون فيها أعلى درجات الصحة .

7-  أحاديث بألفاظ لم ترد ، ومعناها - أو بعضه - مروي في أحاديث صحيحة في كتب السنة .

8-  أحاديث بألفاظ لم ترد ، ومعناها - أو بعضه - مروي في أحاديث ضعيفة في كتب السنة .

9-  أحاديث صحيحة مروية في "الصحيحين" وغيرهما بأسانيد صحيحة نجدها عندهم بأسانيد أخرى يتصرفون في متونها بما يتلاقى مع معتقدهم .

هذا عدا ما سيأتي التنبيه عليه في مسائل أخرى يتعرف القارئ من خلالها على أحاديث هذا "المسند"؛ ليعلم السبب الذي دعاني للكلام عنه .

ولعلي أثير دهشتك - أخي القارئ - إذا قلت لك : إن الإباضية يردّون كثيرًا من الأحاديث الصحيحة المخرّجة في الصحيحين وغيرهما ، المجمع على تصحيحها بين أئمة الحديث ، بحجة أنها أخبار آحاد لا تقوم بها حجّة ، كما تجد ذلك في كتاب "السيف الحادّ في الردّ على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد" لمؤلفه : سعيد بن مبروك القنوبي ، الذي ذكر مراده بالآحاد ، فقال في حاشية (1) (ص 7):« المراد بالآحاد ما عدا المتواتر كما هو رأي الجمهور)).

وبناء عليه فالحديث المشهور الذي يرويه ثلاثة فأكثر يعتبر آحادًا عنده إلى أن يصل إلى مراده بحدّ التواتر ، إما عشرة كما يقول السيوطي أو غيره . ولذلك نجد الإباضية يردّون أحاديث الرؤية والشفاعة برغم كثرتها وصحتها - وبعضها مخرَّج في " الصحيحين "- بهذه الحجـة .

ثم هم مع ذلك يقبلون أحاديث هذا الكتاب -"مسند الربيع بن حبيب"- الذي تضمن جملة كبيرة من الأحاديث الواردة في أبواب الاعتقاد ، وفيها ما يلي :

1-  الكتاب نفسه ليس له إسناد متصل ، فضلاً عن مناقشة سند صحيح متصل لكنه آحاد .

2-  لو تنـزّلنا معهم ، وغضضنا الطرف عن الإسناد إلى الربيع ، فهل تلك الأحاديث من الربيع إلى الصحابي متواترة وهي لا تروى إلا بذلك الإسناد ؟

3-  ثم لو غضضنا الطرف عن هذا أيضًا ، فهل يقبلون تلك الأحاديث وبعضها غير متصل ، وبعضها فيه راوٍ مجروح ؟

4-  ثم إذا وجدنا تلك الأحاديث - أو بعضها - تعارضها أحاديث صحيحة مخرجة في "الصحيحين" عن عدد من الصحابة ، فهل نضرب بهذه الأخيرة عرض الحائط ونقبل أحاديث الربيع وفيها ما ذُكر ؟!

وقد يظن بكلامي هذا المبالغة ، فلننظر في تلك الأحاديث والكلام عنها على طريق أهل الصنعة ، ثم نحكم بعد ذلك .

وهذا ما ستراه في المقال القادم إن شاء الله .

 

التعليقات

 
 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لشبكة ( من هم الإباضية )