Follow @twitterapi
الردُّ العاشر للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

الموضوع : الردُّ العاشر للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

القسم : مناظرة الشيخ سعد الحميد والإباضي الظافر |   الزوار  : 4821

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :

فإن وضع الحديث واختلاقه ، ونسبته للنبي صلى الله عليه وسلم وجد من وقت مبكر ؛ بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ؛ كما تدل عليه بعض الآثار التي ذكرها مسلم في مقدمة صحيحه وغيرُه. ومن أراد التوسع فليراجع كتاب "الوضع في الحديث" للدكتور عمر فلاتـة .

وهذا المنحى هو السبب في نشأة علم الجرح والتعديل ، والتأكيد على أهمية الإسناد الذي خص الله به الأمة المحمدية دون سائر الأمم .

فاليهود والنصارى - مثلاً - لم يحظوا بهذا الشرف ، ولابدّ لهم من نقل كلام أنبيائهم، وأحبارهم ، وتاريخهم ، ففقدوا الضوابط التي بها يستطيعون صيانة ذلك كله من الزيادة والنقص والتحريف .

فلما وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ذلك ، ولم يلهموا هذا الشرف -شرف الإسناد-، وفاتهم الأوان ، اضطروا لإحداث ضوابط هي غاية ما يستطيعون ، ومنها : التواتر ، والمقاييس العقلية لنقد الأقوال والأخبار . وقد أغنى الله الأمة المحمدية بالإسناد ، مع مراعاة الضوابط الأخرى ؛ كنقد المتون وغيرها مما لا مجال لذكره هنا ، وإنما أشرت إليه كتوطئة بين يدي الكلام على توثيق الكتب المصنفة؛ إذ هو فرع عن التثبت في الحديث، ولذلك قيل: " الأسانيد أنساب الكتب "، ولأهل العلم طرائق في توثيق الكتب ، وإثبات صحة نسبتها لمصنفيها ، وصيانتها من الدَّخَل ، حتى لا يظن ظان أن من السهولة بمكان أن تخرج علينا بين فينة وأخرى كتب يزعم أصحابها ومن وراءهم أنها من مصادر السنة . وتاريخ الإسلام مليء بذكر الطوائف والفرق وأهل الأهواء الذين اتبعوا السبل فتفرقوا عن سبيل الله، ولكل منها نحلة ، وهدف . فمنهم من غلا في حب أهل البيت ، ومنهم من غلا ببغضهم ، ومنهم من غلا في حب بني أمية ، ومنهم من غلا في بغضهم ، ومنهم من فُتن بالنَّيْل من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسبب ما وقع بينهم من فتن ، وكأنهم يرون أن من شروط الصحبة : العصمة ، فلا تقع من صحابي معصية ، فضلاً عن أن يكون ذلك بتأويل ، وغفل عن قول الله تعالى :{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين }، فوصف كلا الطائفتين بالإيمان مع اقتتالهما . ومن أهل الأهواء من أفرط في مسائل الإيمان فكفّر أصحاب الكبائر ، ومنهم من فرّط فقال: لا تضرّ مع الإيمان معصية ، ومنهم من غلا في نفي القدر ، ومنهم من غلا في إثباته ، وسبيل أهل السنة وسط في ذلك كله ، بين الغالي والجافي .

ورأى أهل الأهواء أن الكتاب والسنة يقفان في طريق أقوالهم وإحداثاتهم . أما الكتاب فلا سبيل إلى الشك في ثبوته ، أو الزيادة فيه ، أو النقص منه ، فهو قطعي الثبوت لا يفتقر إلى الأسانيد .

وأما دلالته فهي التي نازع فيها أهل الأهواء ؛ بصرف النص عن دلالته الحقيقية لمعنى يوافق ما هم عليه ، أو على الأقل يخرج عن دلالة أهل السنة .

وقد جعل الله السنة قاضية على الخلاف الذي ينشأ بسبب اختلاف الناس في فهم القرآن . قال سبحانه :{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون }، فهي مفسِّرة مبيِّنة لما أُجمل في القرآن .

ولو شاء ربك لجعل السُّنة أيضًا كالقرآن في ثبوتها ، لا تحتاج لعلم الجرح والتعديل ، ومعرفة الأسانيد؛ كما أنه سبحانه لو شاء لجعل الناس كلهم مؤمنين ، ولكنه سبحانه يبتلي عباده ويختبرهم ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، هكذا قضى وقدّر سبحانه ، وليس لنا إلا التسليم .

ولما رأى أهل الأهواء ما في السنة من بيان ، وما تقضي عليه من خلاف لمعتقد سلف هذه الأمة ، وفتنوا بما رأوا من حاجتها للأسانيد وعلم الجرح والتعديل ، وأن منها ما يصح ، ومنها ما لا يصح ؛ كان لهم منها ثلاثة مواقف :

1-  ففريق رفض الاحتجاج بالسنة مطلقًا ، ولم ير الاحتجاج إلا بالقرآن ، وهؤلاء ضلالهم لا أظنه يشكل كبير خلاف ، وانظر إن شئت " حجية السنة " للدكتور عبدالغني عبدالخالق .

2-  وفريق لم يقبل من السنة إلا ما وافق ما هو عليه من هوى ، فإن جاء الخبر بخلاف هواه ردّه بحجة أنه خبر آحاد ، وهذا الصنف هم أكثر أهل الأهواء .

3-  وفريق ذهب يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم لنصرة معتقده ومذهبه، وأكثر من كان يصنع ذلك الرافضة ، وإن وجد في غيرهم ، بل حتى من بعض جهلة أهل السنة ، والباطل يردّ من كائن من كان ، ولا يشفع له حسن مقصده .

وربما كان الوضع لحديث أو أحاديث ، وربما كان لصحف ، وربما كان لكتب .

وفي القرون الثلاثة الأولى كان كلام أئمة الجرح والتعديل متجهًا إلى عدالة الراوي وضبطه - سواء كان ضبط صدر أو ضبط كتاب -، وربما تكلموا في بعض أحاديثه التي يرويها ، وربما أسقطوا جميع رواياته فلم يعبأوا بشيء منها ، وربما قدحوا في بعض أحاديثه وأشاروا إلى أنها جزء من أحاديث صحيفة كاملة يرويها ذلك الراوي . ولهم طرق في امتحان الراوي ومعرفة صحة كتبه والأصول التي يحدث بأحاديثه منها .

قال أبو عبدالله الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص14-15): « ذكر النوع الثالث من أنواع علم الحديث : النوع الثالث من هذا العلم : معرفة صدق المحدِّث وإتقانه وثبته وصحة أصوله وما يحتمله سنُّه ورحلته من الأسانيد ، وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه وأصوله ». ثم نقل عن يحيى بن سعيد القطان قوله :« ينبغي أن يكون في صاحب الحديث غير خصلة ، ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبت الأخذ ، ويفهم ما يقال له ، ويبصر الرجال ، ثم يتعهد ذلك)).

ثم قال الحاكم (ص 15-17):« ومما يحتاج إليه طالب الحديث في زماننا هذا : أن يبحث عن أحوال المحدث أولاً : هل يعتقد الشريعة في التوحيد ؟ وهل يُلزم نفسه طاعة الأنبياء والرسل صلى الله عليهم فيما أوحي إليهم ووضعوا من الشرع ؟ ثم يتأمل حاله : هل هو صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ؟ فإن الداعي إلى البدعة لا يكتب عنه ولا كرامة ؛ لإجماع جماعة من أئمة المسلمين على تركه ، ثم يتعرّف سنَّه : هل يحتمل سماعه من شيوخه الذين يحدث عنهم ، فقد رأينا من المشايخ جماعة أخبرونا بسنّ يقصر عن لقاء شيوخ حدّثوا عنهم . ثم يتأمل أصولَه : أعتيقة هي أم جديدة ؟ فقد نبغ في عصرنا هذا جماعة يشترون الكتب فيُحدثون بها ، وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم في كتب عتيقة في الوقت ، فيحدّثون بها ، فمن يسمع منهم من غير أهل الصنعة فمعذور بجهله . فأما أهل الصنعة إذا سمعوا من أمثال هؤلاء بعد الخبرة ففيه جرحهم وإسقاطهم إلى أن تظهر توبتهم؛ على أن الجاهل بالصنعة لا يعذر ، فإنه يلزمه السؤال عما لا يعرفه ، وعلى ذلك كان السلف رضي الله عنهم أجمعين)).

ثم نقل عن الأعمش قوله :« كان إبراهيم - يعني النخعي - صَيْرَفيّ الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه)).

ونقل عن أبي جعفر الباقر قوله :« من فقه الرجل بصره بالحديث ، وإذا عرف طالب الحديث إسلام المحدّث وصحة سماعه كتب عنه ؛ فقل من يجد ما يرجع إلى الفهم والمعرفة والحفظ ، وكل محدث تهاون بالسماع واستخفّ بالحديث فلا يخفى حاله ويظهر أمره)).

ومن نظر بعين الإنصاف وجد من أمر هؤلاء المحدّثين عجبًا في العناية بالكتب ، ومعرفة ما يلحق بها أو يُغَيّر .

فقد روى إبراهيم بن جريج الرهاوي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الزهري ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( المعدة حوض البدن ، والعروق إليها واردة ...)) الحديث .

فاستنكر الأئمة هذا الحديث ، ومنهم الدارقطني حين قال - كما في "اللسان" (1/129-130)-:« لا يعرف هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من كلام ابن أبجر ، وكان طبيبًا)).

وكشف العقيلي علّته ، فأخرج في "الضعفاء" (1/51) عن أبي داود الحراني :« أن هذا الشيخ - يعني الرهاوي - وُقف على هذا الحديث ، فلم يكن عنده أصل ، وقال : كتبت عن زيد بن أبي أنيسة وضاع كتـابي ، فقيـل له : من كنت تجالـس ؟ فقـال : كـان فلان الطبيب بالقرب من منزلي، فكنت كثيرًا أجلس إليه)).

ثم قال العقيلي :« وهذا الكلام يروى عن ابن أبجر »، ثم ساقه بسنده عنه ، وكان قد قال عن المرفوع:« هذا الحديث باطل لا أصل له)).

وفي ترجمة إبراهيم بن عبدالصمد بن موسى الهاشمي العباسي من "لسان الميزان"(1/ 167):« وقال أبو الحسن ابن لؤلؤ الوراق : رحلت إليه إلى سامراء لأسمع منه "الموطأ"، فلم أر له أصلاً صحيحًا ، فتركته وخرجت)).

وفي ترجمة أحمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه أبي نصر البغدادي (1/296):« لم يكن من أهل هذا الشأن ، ولا صاحب أصول يعتمد عليها)).

وفي ترجمة أبي إسحاق إبراهيم بن عصمة النيسابوري العدل (1/170-171) ذكر ابن حجر أنهم أدخلوا في كتبه أحاديث ، وذكر أنه من شيوخ الحاكم ، وأن الحاكم قال عنه في "تاريخه":« وكانت أصوله صحاحًا ، وسماعاته صحيحة ، فوقع إليه بعض الورّاقين، فزاد فيها أشياء قد برّأ الله أبا إسحاق منها)).

فهذا الرجل عدل في نفسه ، وأما روايته فيقدح فيها ما ذُكر عنه مما لا ذنب له فيه .

وفي ترجمة إبراهيم بن أحمد العجلي (1/111) نقل ابن حجر عن الحسن بن سفيان أنه قال في "تاريخه" :« ويعرف بابن أخت الأشلّ ، وكتبنا عنه أجزاء كثيرة من حديث البغداديين ، من حديث أبي قلابة وغيره سماعًا صحيحًا ، ثم إنه بعد ذلك وضع أحاديث بخطّ طَرِيّ لا أصل لها)).

وفي ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلّس الحمّاني من "الكامل" (1/199) قال ابن عدي :« كان ينزل عند أصحاب الكتب ، ويحمل من عندهم رُزَمًا فيحدِّث بما فيها، وباسم من كُتب الكتاب باسمه ، فيحدِّث عن الرجل الذي اسمه في الكتاب ، ولا يبالي ذلك الرجل متى مات ، ولعله مات قبل أن يولد ». وانظر "اللسان" (1/371).

وفي ترجمة يعقوب بن حميد بن كاسب من " الضعفاء " للعقيلي (4/446-447) روى العقيلي عن شيخه زكريا بن يحيى الحلواني قال :« رأيت أبا داود السجستاني صاحب أحمد بن حنبل قد ظاهر بحديث ابن كاسب ، وجعله وقايات على ظهور ركبته - كذا ! والصواب : كتبه -، فسألته عنه فقال : رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها ، فطالبناه بالأصول فدافعها ، ثم أخرجها بعدُ فوجدنا الأحاديث في الأصول مغـيّرة بخطّ طَرِي ؛ كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها)).

وعكس الحكاية السابقة : ما حصل لأحمد بن الحسن بن عبدالجبار الصوفي ، ففي "تاريخ بغداد" (4/83) ذكر الخطيب أن البرقاني سأل أبا بكر الإسماعيلي عن حديث أحمد ابن الحسن الصوفي هذا ، عن سويد ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس ، عن أبي بكر رضي الله عنه : أُهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم جملاً لأبي جهل ؟ فذكر الإسماعيلي أن الصوفي حدثهم بالحديث بحضرة ابن صاعد وابن مطاهر ، فاختلفا فيه ، فقال أحدهما : هو صحيح، وقال الآخر: ليس بصحيح، «فأخرج الصوفي أصله العتيق، فكان كما قال)).

وللحديث بقية .

تنبيــه :

سيكون ردي على ردود الظافر الأخيرة عقب فراغي من هذه الردود - إن شاء الله-، فلم يبق منها إلا القليل ، ولن أشغل نفسي الآن بها حتى لا تخرج الردود عن طريقها ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

التعليقات

 
 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لشبكة ( من هم الإباضية )