Follow @twitterapi
الردُّ الثامن للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

الموضوع : الردُّ الثامن للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

القسم : مناظرة الشيخ سعد الحميد والإباضي الظافر |   الزوار  : 4792

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :

ففي أثناء إعـداد هذا المقال نشر الظافر ردًّا منه على المقالات السابقة ، ولست أدري ما الذي دفعه إلى العجلة ، فلا هو بالذي التزم بما أخذ على نفسه من الانتظار حتى أفرغ من ردي ، ولا هو بالذي كتب رده على إثر كل مقال أنشره !!

ولعل من يطالع مقاله المنشور يظهر له منه عدة أمور :

أولـها : لغة الحوار التي يكتب بها ، والتي سبق أن أشرت إلى ما فيها من سوء الأدب، وهذه لا ينتهجها إلا ضعيف الحجة - كما هو معلوم في أساليب المناظرات-، فمن ضعفت حجته ساءت عبارته ، وعلا صوته ، وأرعد وزمجر ، فهذا الذي يستطيعه ليستر ضعفه .

ثانيها : من يقرأ مقالاتي يرى الاهتمام فيها بالمسائل العلمية والبعد عن المهاترات ، وهذا الذي كنت أطمع فيه من الأستاذ الظافر ، ولربما التمسنا له العذر في المقالات السابقة، وقلنا : زلّة ، والصفح من شيم الكرام ، وطمعنا أن يكون النقاش علميًّا ومثمرًا يستفيد منه الجميع ، وبالأخص بعد إظهاره اللين في بعض مقالاته التي خرجت بعد نشري لردي ، ففاجأنا برده هذا الدَّالّ على نفسية متشنّجة ، وذلك ليس في مصلحة الحوار ، وبخاصة أن الظافر الآن يمثل رأس الحربة في الدفاع عن طائفته ، والمفترض في مثل من هذه مكانته أن يكون حسن التعامل، يمثل القدوة الحسنة ، فهو يعكس الصورة عمّن وراءه ، وها نحن نرى الدول تهتمّ باختيار سفرائها ليظهروا محاسن دولهم أمام الآخرين .

ثالثها : إذا كان قصد الظافر من ردّه هذا قطع طريق هذه المقالات التي أنشرها بأسلوب علمي ، وذلك بإثارتي لأدخل معه في مهاترات وخصومات ، فتضيع الحجج، ونترك الهدف الأساس، ومحور النقاش - وهو "مسند الربيع بن حبيب"-، فأقول له:

هوِّن عليك ! فالمقالات ستمضي ، وستتلوها مقالات - إن شاء الله -، إلا أن يصرفني عنها مالا أستطيع دفعه ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

هذا وقد لمست من ردّ الظافر امتعاضه الشديد من مقالاتي ، وبالأخص مقالي الأخير رقم ( 7 )، الذي ضيع عليه ما كان يؤمله وينتظره من ذكره للكتب المؤلفة عندهم في المذهب، والتي ظن بأنها معجزة القرن التي يستدل بها على وجود أبي عبيدة والوارجلاني والربيع و"مسنده". وهو بامتعاضه هذا لم يقابل الحجة بالحجة ، وكنت أؤمل منه: الإمساك بكل دليل ذكرته ، أو سؤال طرحته ، ثم الجواب عنه ، ولن يضره ذلك، كما أن بإمكانه الاستعانة بمن يرى فيه القدرة من علماء طائفته على الجواب على ذلك، فإن لم يمكنهم ذلك، فإما الرجوع إلى الحق ، أو على الأقل : التمسك بما عليه أباؤهم وأجدادهم ، و { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون }، ولا حاجة لسوء الأدب الذي يحرجه . علمًا بأن الظافر يمنع ما تجيزه طائفته لنفسها مع مخالفيهم ؛ من التشكيك في صحة بعض الكتب ، واتهام مؤلفيها بالجهالة ، واتهام بعض العلماء في نقلهم عن الإباضية ، وإليك الأمثلة :

1-  من المعلوم أن الإباضية انقسمت على نفسها ، وافترقت إلى فرق ، ومن الفرق التي يعترف الإباضيون المعاصرون بانفصالها عنهم :" النفاثية "- أو " النفاتية" - نسبة إلى نفات بن نصر النفوسي، وقد ظهرت من هذه الفرقة أقوال خالفوا بها سواد الإباضية وقتئذٍ بقيادة ابن رستم ، ولما سئل بعضهم عن بعض معتقده قال: "هكذا وجدته في " الدفتر ""؛ أي : الكتاب المسمى عندهم بهذا الاسم . فجاء أحد كتّاب الإباضية وكبرائهم ومنظِّريهم في هذا العصر ، وهو علي يحيى معمر ، فقال

في كتابه " الإباضية بين الفرق الإسلامية " (ص 267):" وهذا الكتاب المسمى بالدفتر مجهول ، ومؤلفه أيضًا مجهول ". انظر "الإباضية عقيدة ومذهبًا " للدكتور صابر طعيمة (ص 58).

2-  لما خرجت الخوارج على علي بن أبي طالب أرسل إليهم قبل القتال الحبر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لإقامة الحجة عليهم ، والإعذار أمام الله تعالى في قتالهم ، ورغبة في حقن دماء المسلمين ، فجرت بين ابن عباس وبينهم مناظرات أسفرت عن تراجع جزء كبير منهم ، فقلب متأخرو الإباضية الحادثة ، وزعموا أن ابن عباس هو الذي خُصِم ، وأنه تراجع عن مناصرة علي واعتزله ، في كلام طويل تجده في "الكشف والبيان" للقلهاتي (2/243-250)- نقلاً عن نشأة الحركة الإباضية (ص 226-227) للدكتور محمد عبدالفتاح عليان -، مع أن المروي بالإسناد المقبول : أن ابن عباس هو الذي خصمهم ، كما تجده في "خصائص علي " للنسائي وكتب السِّير، وأما زعم الإباضية فأين سنده ؟

وليس هذا من مقصودي فأفيض في الحديث عنه ، وإنما المقصود أن كاتبهم علي يحيى معمر أخذ يشكك في صحة هذه المناظرة التي خَصم ابنُ عباس فيها الخوارجَ ، فيقول في كتابه السابق (2/211)- نقلاً عن الدكتور عليان أيضًا -:" الواقع أني أشك في كثير من الأقاويل والمناقشات والمناظرات.... التي قيل إنها جرت بين الإمام أو ابن عباس والخوارج ، فإن الصنعة والتكلف - فيما يبدو لي - تقرأ واضحة في كثير من الاحتجاجات والبراهين التي تظهر عليها صنعة غير ذلك العصر".

فنسأل الأستاذ الظافر : أيجوز هذا لعلي يحيى معمر وغيره من الإباضية ويحرم على غيرهم ؟!

3-  بل أنك لتعجب - والعجب لا ينقضي - إذا قلت لك : إنهم تطاولوا إلى صحيح البخاري ، وأجازوا لأنفسهم الطعن في أحاديثه التي لا تروق لهم ، كحديث أبي سعيد الخدري في قصة قتل الخوارج يوم النهروان .

فقد أخرج البخاري في "صحيحه" (12/290 رقم6933) في كتاب استتابة المرتدّين والمعاندين وقتالهم ، باب من ترك قتال الخوارج للتألّف ولئلا ينفر الناس عنه، من طريق معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : بَيْنَا النَّبِيّ يَقْسِمُ ؛ جَاءَ عَبْدُاللهِ بْنِ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيّ فَقَال : اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ : "وَيْلَكَ ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟" فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه - دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ ، قَالَ :" دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِه ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِه ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يُنْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَضِيِّهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ - أَوْ قَالَ : ثَدْيَيْهِ - مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ قَالَ: مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ ، جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعْتَهُ النَّبِيُّ .

وهذا الحديث مخرّج في "مسند الربيع بن حبيب" (1/12)، ونص روايته :" أبو عبيدة، عن جابر بن زيد، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول:" يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، تَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلا تَرَى شَيْئًا، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي القِدْحِ فَلا تَرَى شَيْئًا ، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلا تَرَى شَيْئًا، وَتَتَمَارَى فِي الفُوقِ " ا.هـ .

فرواية "مسند الربيع بن حبيب" هذه أسقط منها ذكر قصة قتل علي – رضي الله عنه - للخوارج يوم النهر ؛ لأن الإباضية يرون هؤلاء القتلى " خيار من على وجه الأرض "، كما يقول الشماخي في "سيره" (1/51)، فهم عندهم خير من جميع الصحابة الموجودين في ذلك العصر ، وفيهم باقي العشرة المبشرين بالجنة ، ورواية البخاري تدل على خلاف ما يراه الإباضية .

ولذلك ذهب الكاتب الإباضي : سالم بن حمد الحارثي في كتابه "العقود الفضية في أصول الإباضية" (ص66-67) للقدح في رواية البخاري بسبب أن جابر بن زيد الراوي عن أبي سعيد في "مسند الربيع" لم يذكر هذه الزيادة ، وأنها لو كانت معروفة عنده لما تولى أصحاب النهر ، وإليك نص عبارة الحارثي ؛ قال :" وهذه الزيادة لم يروها جابر بن زيد وهو قد سمع الحديث من أبي سعيد أيضًا ، أتراه يأخذ من أبي سعيد ويسمع منه ذلك ثم يتولى من كان هذا وصفه ؟ كلا بل هو أورع من ذلك ، وقد أدرك عصر الصحابة وسمع من كثير منهم ، وإني لأنزه البخاري عن الكذب ، ولكنه يأخذ عن أهل الأهواء كالشيعة والمرجئة ثـقة بهم ، وأن لهم أهواء لا يؤمنون معها على نقل يخالف ما هم فيه. وكيف يصح ذلك وهذا الحسن بن علي تلقى أباه حين دخل الكوفة- عقب معركة النهروان - فقال: يا أبت أقتلت القوم ؟ قال : نعم . قال : لا يرى قاتلهم الجنة . قال : ليت أني أدخلها ولو حبوًا . ولما فقد علي تلك الأصوات بالليل كأنها دوي النحل ، قال : أين أسود النهار ورهبان الليل ؟ قالوا له :قتلناهم يوم النهر ". ا.هـ.

فعبارة الحارثي هذه تدل على عدم الثقة بأحاديث البخاري جميعها . ولو أنه ذكر لهذه الرواية علة حديثية لأمكن النظر فيها ، ثم الحكم عليه بإعذاره في إعلاله من عدمه ، لكنه أطلق القول بأن البخاري يأخذ عن أصحاب الأهواء ؛ كالشيعة والمرجئة ثقة بهم ، وحسبك من شر سماعه . فإذا كان الحارثي يعتبر أن من تلبّس ببدعة كالتشيع والإرجاء يهجر حديثه ولا يخرج له في الصحاح ، فما قوله في "مسند الربيع بن حبيب" الذي هو أصح الكتب عندهم بعد كتاب الله ، ومقدَّم على صحيح البخاري ، وفيه الآتي :

1-  يروي الربيع برقم (824 و844) عن شيخه بشر بن غياث المريسي رأس الجهمية في عصره ، والجهمية هم غلاة المرجئة كما هو معلوم .

2-  يروي الربيـع برقم :( 836 ) من طريق الحارث الهمداني عن علي حديثًا- سيأتي الكلام عنه في نقد أحاديث "المسند"-، والحارث هذا هو ابن عبدالله الهمداني الأعور، غالٍ في التشيع إلى درجة أنه يزعم أنه تعلم الوحي في سنتين- أو ثلاث -؛ كما تجد ذلك في مقدمة "صحيح مسلم"، ولذلك كذبه جمع من أهل العلم .

هذا لمجرد التمثيل فقط ، وإلا فسيأتي التوسع في ذلك - إن شاء الله - في نقدي لأحاديث " المسند".

هذا مع أن البخاري لم ينفرد بالحديث ، بل أخرجه مسلم كذلك ، فهل قدر مسلم عند الحارثي أيضًا كقدر البخاري ؟!

ثم من حيث الصناعة الحديثية الحديث مداره على محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ويرويه عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف ، وأبو سلمة يرويه عن أبي سعيد الخدري.  والزهري وأبو سلمة إمامان ثقتان مشهوران ، لم يوصف أحد منهما ببدعة ، لا تشيع ، ولا إرجاء ، ولا غيرهما ، بل إذا طُعن في حديث الزهري فعلى السُّنة السلام .

ورواه عن الزهري جمع ؛ منهم : شعيب بن أبي حمزة ، والأوزاعي ، ومعمـر ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، ويونس بن يزيد ، وليس فيهم شيعي ولا مرجئ ، فبماذا تَعلّ هذه الرواية إذًا ؟!

وللحـديث بقية

 

التعليقات

 
 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لشبكة ( من هم الإباضية )