Follow @twitterapi
الردُّ الرابع للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

الموضوع : الردُّ الرابع للشيخ سعد الحميّد على ردود الظافر

القسم : مناظرة الشيخ سعد الحميد والإباضي الظافر |   الزوار  : 4823

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعـد :

فاستمرارًا مع الظافر في مناقشة ذكر بعض الكتب لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، وبعد الفراغ من الكلام عن "البيان والتبيين" للجاحظ ، نأتي للكلام عن :

ثانيـًا : أحمد بن يحيى الناصر الزيدي .

نقل عنه الظافر قوله في كتاب " النجاة " (ص 337): « فصار الذكر هو الرسول ، وهذا ما لم يدفع، فصار أهل البيت عليهم السلام المأمور الخلق بسؤالهم ، ولم يكلفوا أن يسألوا عبدالله بن يزيد البغداذي ، ولا عبدالرحمن بن خليل ، ولا عبدالكريم بن نعيم ، ولا مسلم بن أبي كريمة ، ولا عبدالصمد ، ولا المعلم ، ولا نجدة بن عامر ، ولا أبا مؤرج السدوسي".  وبالرجوع إلى الكتاب المذكور وجدت أن محققه المستشرق :" فيلفرد ماديلونغ " وضع كلمة " أبي" بين معكوفين ، ولم يعلق عليها .  وقدم للكتاب بمقدمة باللغة الألمانية ذكر فيها اعتماده على نسختين خطيتين ، إحداهما نسخة مكتبة ميونيخ ، والأخرى نسخة جامع صنعاء باليمن .  وظهر من خلال عمله إثباته لفروق هاتين النسختين ؛ حيث رمز لنسخة ميونيخ بالرمز "م"، ولنسخة جامع صنعاء بالرمز "ص"؛ إلا أن هناك بعض المواضع يضع فيها أحيانًا بعض الجمل أوالكلمات بين معكوفين ويشير إلى أن ما بين المعكوفين ساقط من النسختين ؛ كما تجد أمثلته في (ص 73 حاشية 13)، و (ص 82 حاشية 4 و 6)، و (ص 92 حاشية 13) و(ص 94 حاشية 4 ) وغيرها .  ولكنه في مواضع أخرى لا يذكر شيئًا عما جعله بين معكوفين ؛ كما تجد أمثلته (ص50 و 59 و 106 و 108 و 128 ) وغيرها ، ومن ضمنــها كلمـة " أبي " في النـص الذي نقله الظافر ( ص 337 ).  وفي ( ص 25 حاشية 6 ) ذكر أن قوله :" قل " ساقط من النسختين ، ثم قال :" ثم أضيفت في م بغير خط الناسخ ".  وأما إذا رأى الكلمة متصحفة في النسختين فإنه يصوبها ، ولا يضع ذلك بين معكوفين؛ كما تجد أمثلته في مواضع كثيرة ؛ منها (ص 82 حاشية رقم 9 و 20 )، و (ص83 حاشية رقم 1 و2 و4 و5)، و (ص 84 حاشية رقم 3)، وغيرها .

وثمرة ما مضى : أن صنيعه هذا يدل على أن النسختين اللتين اعتمدهما في تحقيقه اتفقتا على أن اسم هذا الرجل :" مسلم بن كريمة "، لا "مسلم بن أبي كريمة".  وقد بذلت الجهد - ولازلت - في البحث عن النسختين الخطيتين أو إحداهما لأقف على العبارة في النسخة بنفسي ، حذرًا من أن يكون " كورين " تصحف على هذا المستشرق إلى " كريمة "، أو تكون الكلمة تناولتها يـد غير يـد الناسخ بالتعديل ، كما يدل عليه كلام هذا المستشرق في مقدمته ، وفي بعض التعليقات على الكتاب، منها ما سبق نقله، ومنها في (ص 284 حاشية 21 )، حيث ذكر المحقق أن بعض الكلام شطب في نسخة صنعاء ، وكتب في الهامش ما نصه :" قد دُسّ في الكتاب في هذه المسألة خلاف المذهب".  ولم أتمكن إلى الآن من العثور على المخطوط ، ولعلي أتمكن من ذلك مستقبلاً ، وسأكون شاكرًا لمن يساعدني في الوقوف عليه .

وعلى أي حال فإن رجلاً يصل إلى درجة الإمامة في المذهب ، والعمل الدؤوب في نشره إلى حدّ أنه هو الذي أرسل الإرساليات إلى المغرب - أبو الخطاب المعافري وعبدالرحمن بن رستم ومن معهما-، الذين يعتبرون النواة في نشر المذهب الإباضي بالمغرب، وقيام الدولة الرستمية ، إن رجلاً كهذا لا يمكن أن يكون بهذا الخفاء ، بحيث يعـزّ على كتب التواريخ والأدب والتراجم ذكره ، وقد ذكرتْ من هو أقل شأنًا منه بكثير ، وهذا الظافر قد نقل من "البيان والتبيين" للجاحظ لأنه يعلم أن كتب الأدب عنيت بأخبار الخوارج وأشعارهم ، ومن يطالع كتاب "الكامل" لتلميذ الجاحظ : المبرِّد ، المتوفى سنة (285 هـ) يجده عني بذكر أخبار الخوارج ورجالهم عناية فائقة ، ولو كان الربيع بن حبيب وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة معروفين لوردا عنده في تلك الأخبار ، هذا عدا كتب الرجال والتراجم التي يترجم فيها للموافق والمخالف ، فهبك أيها الظافر تقول : إن أصحاب هذه الكتب من أهل السنة ، فلن يُعْنَوْ بالترجمة للإباضية ، وهي مقولة ينطق واقع تلك الكتب بخلافها ، فأيما أعظم جرمًا عند أهل السنة : أئمة الإباضية أو جهم بن صفوان ، وعمرو بن عبيد ، وبشر بن غياث المرِّيسي ، وأحمد بن أبي دؤاد ؟ لا شك أن جرم هؤلاء الأربعة أعظم عند أهل السنة ، بدليل أنك لا تجدهم يحتجّون بهم في شيء من الروايات ، بل لا يكادون يروون عنهم ، بينما تجدهم أخرجوا في الصحيح لطائفة من الخوارج ، ومنهم عمران بن حطان الذي امتدح عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي.  ومع ذلك تجد أهل السنة ترجموا لرؤوس الجهم والاعتزال هؤلاء ، فهذا جهم بن صفوان ترجم له الذهبي في "السير" (6/26-27) فقال :« جهم بن صفوان ، أبو مُحرز الراسبي، مولاهم، السمرقندي، الكاتب، المتكلم، أُسُّ الضلالة، ورأس الجهمية، كان صاحب ذكاء وجدل ...» الخ ما قال ، وانظر أيضًا عنده ترجمة عمرو بن عبيد (6/104-106)، وترجمة بشر المريسي (10/199-202)، وترجمة أحمد بن أبي دؤاد (11/169-171).

أما كان يمكن لأصحاب كتب التراجم أن يترجموا للربيع بن حبيب وأبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة ولو على سبيل الذم كما ترجموا لهؤلاء وغيرهم ؟!

وهذا ينسحب أيضًا على أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني الذي اعترف الظافر بأنه لم يجد له ذكرًا في تراجم غير الإباضية .

وإذا ما واجه الإباضية هذه السؤالات الموقعة في الحرج ، وحاروا جوابًا عنها ، فروا للتعلق بالمشجب الذي يعلقون عليه أعذارهم ؛ وهو التذمُّر من ظلم الولاة الذي ألجأ أئمتهم هؤلاء إلى التواري ، وإلا خُضدت شوكة الإباضية .

وما ذكروه عن تواري أئمتهم ؛ ذكروه أيضًا عن تواري كتبهم ؛ كـ" مسند الربيع بن حبيب". وهذا مدفوع بالآتي :

1-  قد يتوارى الرجل ويختفي إما بشخصه ، أو بما يحمله من فكر ، لكن لا يصل الأمر إلى درجة جهالته البتّة ، إلا أن يكون مسلوب الإمامة ، عاميّاً كعامة الناس الذين ليس لهم من صفات البروز والظهور ما يستدعي ذكرهم في كتب التراجم والسير .

وهناك عدد من الأئمة المتوارين عن الحكام الظلمة الذين طاردوهم للظفر بهم والانتقام منهم بسبب كلمة حق قالوها ، كالحسن البصري وسفيان الثوري رحمهما الله ، إلى حد أن الإمام عبدالغني بن سعيد الأزدي جمعهم في كتابه المشهور :" المتوارين "، إلا أن هذا كان سببًا في شهرتهم وحسن ذكرهم ، وعلوّ مكانتهم ؛ لا سببًا في خمول ذكرهم ، ولم يمنع من معرفة سيرتهم على التفصيل .

فإن قيل هذا مختص بعلماء أهل السنة .

قلنا : قد توارى بعض أئمة البدعة من بعض الولاة ، ولم يمنع ذلك من ذكرهم ؛ كبعض الزنادقة الذين كان الخليفة العباس المهدي رحمه الله يتتبعهم ؛ كما تجده في ترجمة صالح بن عبدالقدوس في "لسان الميزان" وغيرها .

2-  وأما التواري بالفكر فكثير ، والإباضية يرون جابر بن زيد رحمه الله هو إمام المذهب ، ويرونه متواريًا بفكره ؛ ينكر أمام الناس انتساب الإباضية إليه .

وأقوى ما يدان به المرء اعترافه على نفسه .

فإذا كان الإباضية يرون جابر بن زيد رحمه الله هو إمام المذهب - بِغَض النظر عن صحة هذه الدعوى من عدمها -، واستطاع إثبات وجوده كعالم مزدوج بين أهل السنة والإباضية ، أما كان يسع أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ما وسع شيخه من إظهار العلم المتفق عليه من الجميع ، والاختفاء بما يخص به الإباضية ؟!

وقد ذكر المزي في "تهذيب الكمال" (4/435) عشرين تلميذًا من تلاميذ جابر بن زيد، أما كان يمكن أن يُذكر - على الأقل ، ولو مجرد ذكر -أبو عبيدة على أنه ممن تتلمذ على جابر ؟

أو ما كان يمكن أن يرد على لسان أحد تلاميذ جابر ذكر مرافقة أبي عبيدة لهم في الأخذ عن جابر ؟

أو ما كان يمكن أن تكون هناك قصة حدثت في مجلس جابر - أو معه - يشترك فيها أبو عبيدة ؟

أو ما كان هناك سؤال يرد من أبي عبيدة لشيخه جابر يقول فيه الراوي : سأل أبو عبيدة جابر بن زيد؟.... الخ ما هنالك من التساؤلات التي تدور في رأس كل أحد وهو يسمع بهذه القدرة الخارقة عند أبي عبيدة على الاختفاء مع الاحتفاظ بلقب أعظم أئمة المذهب بعد جابر بن زيد ؟!

3-  هناك مبالغة من الإباضية في ذكر أسباب اختفاء أبي عبيدة ، فالوقت الذي عاش فيه أبو عبيدة - وهو كما يقولون ما بين 45 هـ إلى 150 تقريبًا - كان يعجّ بالفتن من كل جانب ؛ منها الوقعة التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنهما ، ووقعة الحرّة ، وقتال ابن الزبير ، ثم فتنة ابن الأشعث، ووقعة الجماجم ، وغيرها من الفتن والملاحم التي وقعت في عصر بني أمية ، ومن أهمها خروج بني العباس عليهم ، وما جرى من الملاحم التي قادها أبو مسلم الخراساني التي أفنى فيها عرب خراسان ، وهذا أوجد بيئة خصبة لجميع الفرق لبث فكرها ونصرته ، من الرافضة ، والخوارج على اختلاف مذاهبهم وفرقهم ، ومن الناصبة ، ومن المرجئة ، ومن الجهمية ، ومن الشعوبية ، بل من الزنادقة الذين كانوا يطعنون في الإسلام ، وكلٌّ يدعو وله أتباع ، والسنة وحملتها وأهلها في مواجهة جميع هذه الجبهات، وليس لهم قوة إلا اعتصامهم بالله ، والحكام ما بين مشغول بحروبه ، وما بين غارق في شهواته ، وما بين إمام عادل لم يفسح في مدته ، وما بين ضعيف عاجز عن نصرة الحق وأهله ، فأي عذر لأبي عبيدة في الاختفاء ؟!

4-  اعترف الظافر بأن أبا عبيدة استطاع أن يقيم ثلاث دول : الأولى في حضرموت واليمـن على يـد طالب الحـق ، والثـانية في عمـان على يد الجلنـدي بن مسعود ، والثالثـة في المغرب على يد أبي الخطاب المعافري .  ونحن لا ننكر قيام هذه الحركات ، ولكن تفاصيلها ومبالغة الإباضية في ربطها بأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة هي التي تستوقفنا .  فحركة عبدالله بن يحيى طالب الحق - على سبيل المثال - التي يزعم الظافر أنها دولة أقامها أبو عبيدة في حضرموت واليمن ، إنما هي حركة من حركات الخروج في الأطراف على الدولة الأموية في فترة ضعفها .  وقد تحدث ابن جرير الطبري في "تاريخه" (8/237 و267-269 و288-296) في حوادث سنة (128 هـ - 130 هـ) عن هذه الحركة ، فإن قبلنا كل ما أورده من طريق متهم بالكذب، أو مجهول، أو إسناد منقطع، فإن الأمر لا يعدو أنها حركة قام بها عبدالله بن يحيى طالب الحق ، وتابعه الخارجي أبو حمزة ، وتحركوا في تلك الأطراف التي يضعف فيها سلطان بني أمية في فترة ضعفهم ؛ أعني اليمن وحضرموت ، لكن بلغ بهم العجب بقوتهم إلى المسير إلى الحرمين مكة والمدينة مستغلين موسم الحج ، فاستولوا عليها ، فما كان من الحاكم الأموي مروان بن محمد إلا أن أرسل لهم قائده عبدالملك بن محمد بن عطية السعدي في قوة قوامها أربعة آلاف رجل ، فانتزعوا منهم الحرمين ، وقتلوا القائد أبا حمزة الخارجي ، وساروا حتى وصلوا اليمن فالتقوا مع عبدالله بن يحيى طالب الحق فقتلوه ، فأي دولة تلك التي يفنيها أربعة الآف ؟!

ثم إذا كان أبو عبيدة أقام هذه الدول الثلاث ، أما كان ذلك مدعاة لشهرته وظهوره ، ولماذا يبقى في البصرة التي يعيش فيها على تخوُّف ، ولا يذهب لإحدى هذه الدول حيث يأمن فيها ويظهر للناس؟!

وأما أبو الخطاب المعافري ودولته التي أقامها في المغرب ، فهي نواة الدولة الرستمية التي سيأتي الحديث عنها في المقال القادم إن شاء الله تعالى.

 

 

التعليقات

 
 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لشبكة ( من هم الإباضية )