Follow @twitterapi
الرد على من قال بخلق القرآن من كتاب قاموس الشريعة للشيخ جميل بن خميس السعدي الإباضي

الموضوع : الرد على من قال بخلق القرآن من كتاب قاموس الشريعة للشيخ جميل بن خميس السعدي الإباضي

القسم : فرق الإباضية وافتراقاتهم الدامية |   الزوار  : 24179

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، واتبع هداه.

أما بعد :

فهذا نص مطول من أحد كبار علماء الإباضية وفي كتاب من مطولات كتبهم المعتمدة ، يقرر فيه الرد على من قال بأن القرآن مخلوق ! تلك المقولة الباطلة التي دسها أعداء الدين ، ليجعلوا القرآن كلام المخلوق لا الخالق العظيم ، متبعين قول من قال أنه كلام البشر أو ملك من الملائكة لا كلام رب العالمين !!

ففي كتاب قاموس الشريعة (3/198-199) لجميل بن خميس السعدي جاء فيه هذا الباب الكامل في الرد على القائلين بخلق القرآن :

" الباب الثاني والعشرون في الرد على من يقول بخلق القرآن من القدرية والمعتزلة .

ومن كتاب الكشف والبيان من كتاب [الأكلة!] وحقائق الأدلة :

قالت المعتزلة والقدرية: ان كلام الله مخلوق ، وان كلام الله ليس بقديم ، وأنه لا يوصف بقدم الكلام ، وسنشرح في كتابنا هذا ما يزول به الشبه والالتباس ، ويتجلى الغطاء لمن وفق من الناس ، ونبين لأهل الزيغ والاعوجاج ، قصد السبيل والمنهاج ، ونحتج عليهم إن شاء الله بما يبين به الحق الواضح ، والمنهج النير اللائح ، بتوفيق الله وعونه وقوته ومنه ،

نقول وبالله التوفيق:

أن كلام الله تعالى قديم ، لأنه قد ثبت أنه متكلم ، كما ثبت أنه عالم ، وأنه من صفة الكلام ، وهي صفة ذات ، وصفاته لم يزل موصوفا بها ، فوجب أن يكون متكلما ، وأن له كلاما ، والحقائق لا تختلف شاهدا أو غائبا ، كما وصفناه في مسألة إثبات العلم فوجب أنه متكلم.

والدليل على أن كلامه أزلي قديم قوله تعالى : ** إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقوله له كن فيكون } فبين أن قوله : ** كن } يتعلق بما يخلق ما يخلقه ، فلو كان قوله مخلوقا لاقتضى أن يكون له قول آخر فيه كقول : ** كن فيكون} ثم الكلام في ذلك الكلام مثل الكلام في هذا القول ، ثم كان يقتضي على كل قول قولا آخر به يقول : ** كن فيكون} وكان يتسلسل إلى ما لانهاية له ، وذلك ما لا يصح به وجود قول في هذا أدل دليل على صحة ما قلناه من قدم الكلام ، ووصف الباري سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

مسألة : فإن قال قائل : ما الدليل على أن قولكم من قدم كلامه ؟
قلنا : الدليل من الكتاب قوله تعالى : ** ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } أن لو صار جميع ما في البحار مدادا ، وجميع نبت الأرض من أشجار أو غيرها أقلاما ، وجميع الحيوانات كتبة ، وجميع الجمادات قراطيس ، ثم امتدت أيامهم وطالت مدتهم حتى كتبوا بتلك الأقلام ، وتلك البحار التي صارت مدادا على تلك القراطيس ، كلام الله تعالى لفنت جميع تلك المخلوقات ، ولم يفن كلام الله تعالى ، فقد بين سبحانه وتعالى أن جميع المخلوقات تفنى ، وكلامه لا يفنى ، علمنا أنه لا يفنى لأنه قديم ، وتفنى المخلوقات بالإضافة إليه لأنها محدثة مخلوقة.

ودليل ثان على صحة ما قلناه من الكتاب قوله تعالى : ** لله الأمر من قبل ومن بعد }، وقبل وبعد إذا لم يقيدا بشيء يقتضي الأزل ، وإذا قيد بشيء فقيل : قبل ذا وبعد ذا ، وقبل ذا وقبل ذا ، وبعد كذا وبعد كذا كان ذلك لما قيد له ، فأما إذا قيل قبل مطلقا وبعد مطلقا كان المراد به الأزل ، ولا بد ، والله سبحانه وتعالى أطلق القول فيه فقال : ** لله الأمر من قبل ومن بعد } فيقتضي أن يكون الأمر له أزلا ، ولا يزال وما يوجد أزلا ولا يزال فهو قديم ، وأنه قبل الأشياء كلها وبعد الأشياء كلها كما قال سبحانه وتعالى ، وما كان قبل الأشياء وبعدها ، ولا يكون محدثا ، لأن المحدث ما كان له أول في الابتداء وآخر في الانتهاء.

والدليل الثالث من السنة : ما روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "فضل كلام الله على كلام المخلوقين كفضل الله على الخلق" ووجه الاستدلال من الخبر أن يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم جميع بين كلام الله وذاته في إثبات الفضل لهما ، والتسوية في الفضل بينهما يوجب أن يكون ذلك كذلك بمعنى يجمعهما ، ولا معنى يجمعهما إلا العدم ، فوجب أن يكون فضل كلامه على كلام الخلق كفضله على الخلق في معنى أن كلامه قديم ، كما أن ذاته قديمة ، والله أعلم .

والدليل الرابع من الإجماع : ما قد ثبت ورفع أن علي بن أبي طالب لما حكم الحكمين ، وجرى منهما ما جرى من خلعه على يد من حكمه قال : أنا ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت القرآن ، وكان هذا الحديث بمشهد الفريقين جميعا ، فلم ينكر عليه أحد ، فصح أنه ما حكم مخلوقا وإنما حكم القرآن ، فقد صح من الكتاب والسنة والإجماع.

والدليل الخامس من العقل : أن شرط القيام قيامه بالمتكلم به ، فإذا صح ذلك وجب أن يكون الباري سبحانه محلا للحوادث ، ولا يجوز أن يكون الكلام الذي هو من شرط قيامه به حادثا ولا مخلوقا ، فإن استحالة القول بحدوث كلامه وقوله.

والدليل السادس على صحة ما قلناه أيضا : إنا نقول أن كلام الباري سبحانه لا يخلو إما أن يكون قديما أو محدثا مخلوقا ، ولا يخلو إما أن يكون جنسا أو عرضا أو جوهرا ، لأن الحوادث لا تخلوا من أن تكون من هذه الأقسام ، فإن كان جسما وجب أن يكون سائر الأجسام كلام الله سبحانه وتعالى ، لأن الأجسام جنس واحد يجوز على كل واحد منها جميع ما جاز على الآخر فيها ، وهذا يوجب أن تكون سائر الأجسام كلها كلام الله تعالى ، لأنه تعالى خالق الأجسام كلها بلا اختلاف في ذلك من جميع الأمة ، وهذا لا يقول به أحد وهو محال ، فاستحال أن يكون جسما.

ولا يجوز أن يكون عرضا ، لأن العرض يقتضي ذاتا تقوم به ، ولا يستقل بنفسه ولا يستغني عن محل يحله ، وإذا حل ذلك العرض ذاتا فيكون كلاما للذات التي حل فيها وقام بها ، كالسواد والبياض وغيره ، وكذلك الحركة فإنما هي حركة للذات التي خلق فيها وقامت به ، أو لا يجوز أن يخلق في ذات الصانع لاستحالته أن يكون محلا للحوادث ، فلا يجوز أن يخلق في جسم وجوهر ، لأن ذلك يوجب أن يكون كلاما لذلك الجوهر ، وذلك الجسم الذي خلق فيه وقام به كالسواد والحركة وغير ذلك من الأعراض المخلوقة في الجوهر والأجسام ، وذلك يوجب ألا يكون كلام الله تعالى ، فبطل أن يقوم بجسم أو جوهر أو عرض ، فإذا بطل أن يكون كلامه جسما أو عرضا ، فبطل أن يكون مخلوقا لأن هذه أقسام أجناس من المخلوقات ، ووجب وصح أن كلامه قديم أزلي غير مخلوق وبالله التوفيق.


فصل
الدليل على أن القرآن غير مخلوق
قوله تعالى عز اسمه : ** الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان } فأخبر سبحانه وتعالى عن القرآن بالتعليم ، وعن الإنسان بالخلق والتفهيم ، فلو كان القرآن مخلوقا لقال عز وجل : الرحمن خلق القرآن والإنسان ، وكان تقدير الآية : الرحمن خلق القرآن وخلق الإنسان.

ولدليل ثان : أن الله سبحانه وتعالى إذا أخبر عن شيئين مختلفين الآخر منهما غير الأول فصل بينهما بالواو ولم يدعهما مرسلين ، الدليل على ذلك قوله عز اسمه : ** ألا له الخلق والأمر } ففصل بين الخلق والأمر لما كان الأمر كلامه ، فجعل الخلق خلقا والأمر أمرا ، وجعل هذا غير هذا فقال عز وجل : ** وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } فلو كان الأمر مخلوقا لكان تقدير الآية : ألا له الخلق الأمر ، وهذا لا يجوز في كلام أحد ، لأنه كلام عي ، والله سبحانه وتعالى قادر ولا يجوز في كلامه هذا سبحانه وتعالى.

ودليل ثالث : يؤيد ما ذكرناه ويقوي ما بيناه وهو قوله عز اسمه : ** مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} ففصل بين الثيبات والأبكار بالواو ، كما فصل بين كلامه وخلقه بالواو .

الدليل الرابع : قوله عز اسمه : {ذلك أمر الله أنزله إليكم } ولم يقل ذلك خلق الله ، فأخبر تعالى أن القرآن أمره ، وأن أمره القرآن ، وهذه أخبار الله تعالى وقوله ، وصح ما قلناه ببعض التنزيل لا تأويل ولا تفسير.

ودليل خامس : وهو قوله عز اسمه : ** وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } ولم يقل قضينا إليه الخلق ، وهذا دليل على قدمه وأنه قديم .


فصل
في نفي حدث القرآن

إن سأل سائل فقال : لم زعمتم أن كلام الله غير مخلوق ؟ وأن الله لم يزل متكلما ؟

قلنا له : وجدنا في كتاب ربنا وهو قوله : ** إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } فلو كان القرآن مخلوقا لكان عز وجل قائلا له : كن ، وكذلك القول الثاني ، ولو كان مخلوقا كان حكمه حكم القول الأول ، وكذلك إلى ما لا غاية له ، فلما استحال ذلك ثبت أن كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق ولا محدث وأنه عز وجل لم يزل متكلما .

مسألة : فإن قالوا : أليس قد قال الله عز وجل مخبرا عن السماء والأرض أنهما ** قالتا أتينا طائعين}.
قيل له : نعم .
فإن قالوا : أفتزعمون أنهما قالتا ذلك في الحقيقة ؟
قال : نعم ، كذلك نقول .

مسألة : فإن قال : فأخبرونا عن قول الله عز وجل ذكره : ** جدارا يريد أن ينقض } أفتزعمون أن الجدار يريد في الحقيقة ؟
قيل : هذه إرادة جوزتها العرب في لغاتها ، وهي بمعنى كاد ، كما قال الشاعر:
لا تعجبي مني ومن سواده = ومن قميص هم بانقداده
وقال الشاعر :
يريد الرمح صدر أبي براء = ويرغب عن دماء بني عقيل
فوصف الله تعالى الجدار بالإرادة ، كما وصف الشاعر القميص بالهم ، والرمح بأنه قد مال إلى صدر أبي براء ، وذلك أنه جدار مائل يكاد ينقض ، وقد [كاد] القميص ينخرق لبلائه ، ومن ذلك قول القائل : بل أردتُ والله أن أهلك نفسي ، أي كدت أهلكها لا أنه يريد بذلك هلاك نفسه ، فلا [يحب] هلاكها ، وأيضا فإن إرادة الجدار تنفيه الجماد به ، لأن الجماد لا يجوز أن يكون مريدا في الحقيقة.

فإن قال : وكذلك السماء والأرض لم ينطقا في الحقيقة على زعمكم ؟
قيل له : إن الجماد قد يحل فيه الكلام والصوت ، ويوجد فيه كنحو كلام الذراع ، وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم : لا تأكلني فإني مسمومة.

فإن قالوا : الذراع ما تكلم ، وإنما تبين [فيه] دلائل على أنها مسمومة؟
قيل له : هل [كذا!] هذا غلط وقد أجمعت الأمة أنها تكلمت وهي من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر هذا أحد فيما علمناه ، وبالله التوفيق.


مسألة : فإن قال : فما الدليل على أن الله خلق الأشياء بقوله ، وأخرج قوله من الأشياء المخلوقة ، وبين أنه غيرها ؟
الجواب : قيل له : إن الله سبحانه وتعالى ذكر جميع الأشياء المخلوقة في آيات كثيرة من كتابه ، فأخبر عن خلقها ، وأنه خلقها بقوله وكلامه ، وأن كلامه وقوله غيرها وخارج عنها.
منها قوله عز وجل : ** وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق} ، وقال عز من قائل : ** وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل} ، وقال عز وجل : {وخلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين} ، وقال : ** حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم . ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى } ، وقال سبحانه : ** وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق } ، وقال عز وجل : ** أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون} ، وقال سبحانه وتعالى : ** وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون }.

وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه خلق السموات والأرض وما بينهما ولم يدع شيئا من الخلق إلا ذكره ، وأخبر عن خلقه وأنه خلقه بالحق ، وأن الحق قوله وكلامه ، وأمره الذي به خلق كله ، وأنه غير الخلق وخارج عن الخلق ، فهذا نص التنزيل بلا تفسير ولا تأويل .

مسألة : فإن عارض معارض وقال : إن قوله تعالى : ** أن يقول له} أدل على الاستئناف للقول ، وكل مستأنف مخلوق ؟
قلنا له : المراد بذلك المصدر ، أي قلنا : يتعلق به أن كن هو كما قال : ** وأن تصوموا خير لكم } ، أي فالصيام خير لكم ، فهو كذلك ثم يقول أليس قال : ** فسيرى الله عملكم } ، وليس يقتضي أن يكون الاستئناف في الرؤية ، لأن الرؤية قديمة ، وإنما الاستئناف في البدل الذي سيوجد ، وقد قال سبحانه وتعالى : ** حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } وليس يقع الاستئناف في وصف كونه عالما جهاد المجاهدين ووصفهم ، وكذلك قوله تعالى : ** أن يقول له } ليس يقع الاستئناف في القول ، وإنما يقع الاستئناف فيما يخلق ويكون ، وهو سبحانه وتعالى أزلي أبدي .

وإن قال : قد وجبت بأشياء متباينات متفرقات ، فزعمت أن الله خلق الأشياء بقوله وبكلامه وبأمره فقد ناقضت قولك ؟
الجواب : قيل له : ما قلت ذلك إلا على صحة وبيان ، ولا خرجت من كتاب الله ، ولا أتيت ببهتان ، ولا أخبرت إلا بما أخبر الله به مما يوافق بعضه بعضا ، ويصدق بعضه بعضا ، فكل ما ذكر الله تعالى أنه حق خلق به الأشياء ، فهو شيء واحد وإن كثرت أسماؤه ، فهو كلام الله ، وهو قول الله ، وهو أمر الله ، وهو الحق ، وهي أسماء شتى لشيء واحد ، وكما سمى كلامه نورا وهدى وشفاء ورحمة وقرآنا وفرقانا ، وإنما أجرى الله هذا على كلامه ، كما أجراه على نفسه بأسماء كثيرة ، وهو واحد أحد ، فرد صمد سبحانه وتعالى.


فصل
الدليل على أن القرآن هو كلام الله


قوله عز وجل : ** وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } يعني حتى يسمع القرآن لا خلاف بين أهل اللغة والعلم في ذلك ،

وقال عز وجل : ** سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } فسمى القرآن كلامه ، وسماه قوله ،

وأخبر أن قوله كلامه بقوله عز وجل : ** يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل }.

والدليل على أن القرآن أنه الحق ، قوله عز وجل : {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم } فهذا خبر الله سبحانه وتعالى عن القرآن أنه الحق ،

وقال عز وجل : {وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل } ، فأخبر سبحانه أن القرآن هو الحق ، وقال عز من قائل : ** فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } فهذا خبر الله سبحانه وتعالى عن القرآن أنه الحق.
وقال عز وجل : ** ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه أنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } ، فهذا خبر الله سبحانه وتعالى عن القرآن أنه الحق ، وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ** قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } وقال سبحانه : ** الر . تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } ، وقال عز وجل : ** الم . تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين . أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك } ، وقال عز وجل : ** وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق } ، وقال عز من قائل : ** وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا } ، فهذا وأمثاله في القرآن كثير .

أخبر الله سبحانه الحق فسماه باسم الحق ، وذكر عز وجل أن القرآن قوله ، وأن قوله الحق ، فقال عز وجل : ** ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } ، وقال عز وجل : ** ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } ، وقال عز وجل : ** حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق } ،

فهذه أخبار الله تعالى أن الحق قوله ، وأن قوله الحق ، وأن الحق كلامه ، وأن كلامه الحق ، ومثله في القرآن كثير.


الدليل على أن الله سمى القرآن أمره ، قوله عز وجل : ** حم . والكتاب المبين . إنا إنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . أمر من عندنا } يعني القرآن ، فأخبر سبحانه أن القرآن أمره ، وأن أمره القرآن ، وقال عز وجل : {ذلك أمر الله أنزله إليكم } يعني القرآن ، فبهذا أخبر الله أن القرآن أمره ، وأن أمره القرآن ،

فهذه أسماء شتى لشيء واحد ، وهو الشيء الذي خلق الله به الأشياء ، وهو غير الأشياء ، وهو خارج عن الأشياء ، وغير داخل في الأشياء ، وهو كلامه ، وهو أمره ، وهو الحق ، وهو قوله ، فهذا بنص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير.


مسألة : فإن قال قائل : في قول الله عز وجل : ** كن فيكون } أن القول في قوله : {فيكون} يقتضي التعقيب ، وذلك دليل على خلق القرآن ؟

قيل له : إن الفاء في هذا الموضع لا تقتضي التعقيب ، الدليل على ذلك قول القائل : لا تسؤني فأسوءك فربما كانت الإساءة له بعد ذلك بزمان فصح أنها لا توجب التعقيب ، وكذلك أيضا لو أن رجلا قال : إن دخلت مكة فلأشرين مصحفا وكتابا ، فربما شراه بعد دخوله بمدة طويلة ، فوجب أن الفاء لا تقتضي التعقيب.

والذي يبين ما ذكرناه قوله عز وجل : {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة } والقرض من العبد إنما هو في دار الدنيا ، والضعف من الله للمقترض إنما هو في الآخرة ، فصح ما قلناه بدليل القرآن ، وكذلك قوله تعالى : {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا} فهذا دليل على أن الفاء لم يوجب التعقيب ، لأن البأس قبل الهلاك.

ودليل ثان يدل على الصحة ما ذكرناه في قوله تعالى : ** كن فيكون} إنما هو رفع على الابتداء ولم ينصبه على إعراب الأمر ، وجواب الأمر لا ينصب إلا بإضمار أن المفتوحة ، ولا تضمر أن إلا في فعل لم يمض معناه ، ألا ترى أنك تقول : ذهبت حتى أدخلها في معنى دخلتها ، فترفع أدخلها حين كان معناه ماضيا ، ولم تضمر أن ، وكان المعنى كن فكان هكذا يرفع عن أبي حاتم السجستاني ، ووجدنا عن أبي عبيدة في قوله : {كن فيكون} أنه رفع لأنه ليس هو عطفا على الأول ، ولا فيه شريطة فيجازى به ، إنما أخبر الله تعالى أنه إذا قال كن كان.

واعلموا أن الفاء يكون على أربعة أضرب : تكون متبعة عاطفة مثل قوله : دخلت البصرة فالكوفة ، ومتبعة غير عاطفة، وذلك يكون في باب الشرط والخبر، أو تكون زائدة كقولك : زيد فمنطلق ، أي زيد منطلق والدال على ذلك قول الشاعر :
وقائلة خولان فانكح فتاتهم = وأكرومة الحيين خلق كما هيا
أراد خولان أنكح فتاتهم فعلى هذا يكون المعنى في قوله : ** كن فيكون} أي كن وكان ، والله أعلم ." اهــــ المراد منه .

 

التعليقات


السبت /26/ 3/ 1433 هـ العماني  الاسم

المذهب الإباضي في حقيقة الأمر لم يكن مذهبا عقديا ولا مذهبا فقهيا وإنما غاية ما في الأمر أن مجموعة من الأشخاص زعموا أنهم أتقى وأورع من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن الفساد انتشر في الامراء و رضي أصحاب النبي بذلك لعرض من الدنيا ...!! فكوّنوا حركة مناهضة مخاصمة مناوئة لجماعة المسلمين وإمامهم
واجتمعوا على هذا الفكر المنحرف فكان اجتماعهم لم يكن لتقرير العقائد والمسائل العلمية وإنما كان لمحاربة الحكام وكانت هذه الحركة تظم تحتها أفرادا مختلفيين في أرائم العقدية والفقية وغيرها فبعد انتشار خبرهم وتنفير الناس عنهم وهجرهم عامة المسلمين واشتدت وطئة الحكام عليهم اختاروا العزلة والابتعاد عن جماعة المسلمين فهذه العزلة مع مرور الزمن كونت لهم اتحادا في بعض الأقوال والآرئي ومع هذا لم يدع أحد من الإباضية في القرون الاربعة الأولة أنهم على عقيدة واحدة في باب الأسماء والصفات و في باب القدر وغيرها من أبواب الأحكام العلمية الغيبة بل ولا حتى في المسائل الفقهية إلا ما ندور من باب الفروق والتميز عن الآخرين .... وللحديث بقية ولي بحث في هذا الموضوع أسأل الله التوفيق والعون

 
 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لشبكة ( من هم الإباضية )